في الصومال لا تطير النسور
انثروا القمح على رؤوس الجبال لكي لا يقال: جاع طيرٌ في بلاد المسلمين.. عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه - رحمك الله يا عمر ماذا تقول لو رأيت ما نرى اليوم من مجاعةٍ ألمت بشعب الصومال أكلت الأخضر واليابس، جفافٌ اجتث الخف والحافر وها هو يأتي على البشر يتساقط الأطفال بين يدي والديهم لا يملكون لهم شيئا.. إنها المجاعة والحرب والمسغبة ورابعة المصائب تقاعسنا نحن إخوانهم تجاه مصابهم الجلل.
لقد كنت قبل شهر في زيارة لإثيوبيا البلد المتاخم للصومال، وبالرغم من الغابات والخضرة والماء إلا أنك ترى مظاهر الفقر والفاقة، فما بالكم إذا اغبرت الأرض وجف ماؤها!
ولعل ذاكرتنا المترعة بألوان الهوان والضعف لم تنس صورة ذلك الطفل الذي أنهكه الجوع وعلى بعد خطوات منه يظهر نسرٌ ينتظر موته، هذه الصورة التي التقطت في آذار (مارس) 1993 من قبل مصور أمريكي يدعى ""كيفن كارتر"" والذي سافر إلى جنوب السودان لتَوثيق حركةِ الثوّار المحليّةِ، بينما كانت البلاد تئن تحت وطأة الجفاف مما جعله يقف على صور رعب المجاعة والموت الذي يختطف الصغار والكبار، وبينما ""كيفن"" يسير حاملا كاميرته سمع صوت نشيجٍ وأنينٍ فلما تبين الصوت إذ هو طفل سوداني لم يجاوز الخامسة من عمره ضعيف البنية منهك القوى قد قضت المجاعة على عائلته وهو يحاول جاهدا أن يصل إلى مركز توزيع الطعام، وبينما هو يزحف كان طائر النسر الذي يظهر في الصورة ينتظر موت الطفل ليلتهمه.
شاركت هذه الصورة في مسابقة الصور الإخبارية التي تجري كل عام وفازت بالجائزة الكبرى ""بولتزر"".
يا الله ما أقسى قلوبنا التي لم تحركها تلك الصورة سوى لحظاتٍ يسيرة ثم طوتها يد النسيان، وها هي المجاعة تضرب مرة أخرى في بلدان إسلامية أخرى يشهد أبناؤها لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ونحن صامتون صمت القبور.
12 مليون مسلم في الصومال وكينيا تنتظرهم النسور لتأكلهم جيفا نتيجة للقحط الكبير الذي ضرب البلاد.
إنني أدعو، كما يدعو غيري، إلى حملة شعبية لجمع التبرعات لإخواننا في الصومال تتبناها حكومة خادم الحرمين الشريفين وهي السباقة دائماً وذات الأيادي البيضاء في إغاثة إخواننا في شرق الأرض وغربها، ولا سيما ونحن في شهر الخير والجود الذي كان فيه - صلى الله عليه وسلم - أجود من الريح المرسلة.
إن هذا البذل كما هو واجب علينا فإنه من أسباب حفظ الله لنا ولمجتمعنا ولكياننا، فصنائع المعروف تقي مصارع السوء، وهذا على مستوى الأفراد والجماعات، كما أننا نشيد بدعوة تركيا البلد المسلم إلى اجتماع عاجل لمنظمة التعاون الإسلامي لبحث المجاعة في الصومال، التي أعلنت الأمم المتحدة رسميا المجاعة في منطقتين جنوبها، فيما يتحرك العالم ببطء لمساعدة 12 مليونا يعانون المجاعة في أسوأ جفاف تشهده المنطقة منذ 60 عاما، وأدى إلى وفاة عشرات الآلاف.
دعونا نختم بسيرة عمر ففي عام الرمادة الذي أصاب المدينة وإنما سمي بذلك لشدة الجفاف حتى بدت الأرض وكأنها رماد، أخرج الطبري من خبر عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: ""كانت الرمادة جوعا شديدا أصاب الناس بالمدينة وما حولها، حتى جعلت الوحوش تأوي إلى الإنس، وحتى جعل الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها، وإنه لمقفر"" جاء الناس إلى أمير المؤمنين فأنفق فيهم من حواصل بيت المال مما فيه من الأطعمة والأموال حتى أنفده.
ألزم عمر نفسه ألا يأكل سمنا ولا سمينا حتى يكشف ما بالناس. فكان في زمن الخصب يبث له الخبز باللبن والسمن ثم كان عام الرمادة يبث له بالزيت والخل، وكان يستمرئ الزيت ولا يشبع مع ذلك فاسود لون عمر وتغير جسمه حتى كاد يخشى عليه من الضعف.
وكان عندما يسمع بطنه يقرقر من الجوع يقول: قرقر أو لا تقرقر والله لا تشبع حتى يشبع المسلمون.
رفع الله المجاعة عن إخواننا في الصومال وفي كل مكان.