بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
الحمد لله حمداً كثيراً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وُحول الشهوات إلى جنّات القربات.
قضية الدين تعد جزءاً من حياة الإنسان ووجوده وكيانه :
أيها الأخوة الكرام، في شأن الإنسان أحياناً قضية ما، أو موضوع ما، سبّب له بعض المتاعب، فيبتعد عنه، هذا شأن الإنسان، ولكن لو تصورنا أنه قد جاءك من تدينك مشكلة، هل بإمكانك أن تلغي دينك؟ الدين للإنسان كالهواء، إما أن يستنشقه وإما أن يموت، دينك، دينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا.
أيها الأخوة الكرام، الحقيقة الإنسان له عقل، وله فطرة، وله أعداء، جانب علمي، جانب نفسي، جانب مادي، عقله متى يخضع؟ هل تقبلون أن أقول لكم: واحد زائد واحد يساوي خمسة؟ لا أحد منكم جميعاً يقبله، أما واحد زائد واحد يساوي اثنين، فكلكم تخضعون لهذه المقولة، فالإنسان معنى الدين الذي يُخضع له، يخضع العقل له، وتخضع النفس له، ويخضع الجسم له، منهجه من عند الخالق، من عند الخبير، من عند العليم، هذا المنهج، تصوراته، أفكاره، تُقدم لك تفسيراً عميقاً دقيقاً صحيحاً واسعاً للكون، والحياة، والإنسان، الإنسان شاء أم أبى كائن مفكر، معنى كائن مفكر، هو بحاجة إلى تطور ما عن أي موضوع، شئت أم أبيت، حتى الأمي عنده عقيدة، أقوال العوام تنطلق من تصوراتهم، فلا يوجد إنسان على وجه الأرض إلا له حيال أي موضوع تصور، فالبطولة أن يأتي هذا التصور صحيحاً، واقعياً، علمياً ، وسطياً، قضية الدين قضية تعد جزءاً من حياتنا، تعد جزءاً من وجودنا، تعد جزءاً من كياننا، فالدين في كل عصر له شأن، أحياناً يقوى الدين كما كان في العصور الذهبية وأحياناً يضعف وأحياناً يقوى أعداؤه، وأحياناً يضعفون، فلا بد من أن تكون بموقف صحيح، يمليه عليك دينك، ابن عمر، دينك، دينك، إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا، ولا تأخذ عن الذين مالوا، دائماً في الإسلام هناك مرجعيات:
﴿ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾
[سورة النساء: 59]
عندنا قرآن إلى الله، عندنا سنة صحيحة إلى الرسول، فإذا رجعنا في كل قضية إلى كلام الله، وإلى كلام رسوله، أو إلى ما صحّ من كلام رسوله، وبفهم صحيح وفق علم الأصول، نكون على الصواب إن شاء الله.
الدين منهج تفصيلي لكل حركات الإنسان وسكناته :
أيها الأخوة الكرام، العلماء قالوا: تؤخذ كلمة الدين من أفعال الله، من فعل دانه يدينه، متعدد بذاته، وهناك دان له، و هناك أيضاً دان به، أما دانه يدينه، فلها معنى دقيق أي خضع له، التزمه، طبقه، أما دان له، فبمعنى أنك اتجهت نحوه، أما دان به فاتخذت منهج الدين منهجاً لك. فأنت ينبغي أن تكون متديناً دانه، ودان له، ودان به.
أيها الأخوة الكرام، الحقيقة هذا الدين على عظمته، وعلى اتساعه، وعلى تنوع علومه، وعلى اتجاهاته، وعلى شموله، هذا الدين في النهاية منهج تفصيلي، المشكلة الأولى للمسلمين أنهم توهموا أن الدين صلاة، وصيام، وحج، وزكاة، ليس غير، مع أن - والله ولا أبالغ- الدين منهج تفصيلي لكل حركاتك وسكناتك، في سرك وعلانيتك، في صحتك ومرضك، في غناك وفقرك، في قوتك وضعفك، قبل الزواج وبعد الزواج، مع الغنى ومع الفقر، منهج يدور مع الإنسان حيثما دار، فلذلك طلب العلم فريضة على كل مسلم، قد يغيب عن بعض الأخوة الكرام معنى فريضة، شرب الماء فريضة، ما معنى ذلك؟ لو لم تشرب لمت عطشاً، بالماء ليس لك خيار، لك خيار أن تشربه بكأس مباشرة، لك خيارات عديدة في طريقة الشرب، وفي وعاء الشرب، أما خيارك مع الشرب فثابت، فحينما تعتقد أن الدين كالهواء، وأن الدين كالماء لك، وأن الدين كالطعام لك، لا بد من أن تبحث عن مصادره الصحيحة، وعن منهجه القويم، وعن الطريقة السليمة التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام، وسار بها أصحابه الكرام.
المعاني الدقيقة للدين :
من المعاني الدقيقة للدين أنها علاقة بين طرفين، أي الدين علاقة مع الله، لك علاقة مع زوجتك، مع أولادك، مع أخواتك، مع أخواتك، مع أصحابك، مع زبائنك، مع أقاربك، مع جيرانك، الدين علاقة مع الله، بالتعبير الجامع المانع، هي علاقة بين طرفين خالق الأكوان وأنت أيها العبد البار، وقَبِل الله -وهذا شرف لنا- أن تكون لنا علاقة به، قَبِل الله أن نناجيه في الصلاة، قَبِل الله أن نقترب منه، قَبِل الله أن نقدم عملاً في سبيله، قبل الله أن نحبه، قبل الله أن يحبنا، كلمة دين تعني علاقتك بالله، لكن بصرف النظر عن حالات، صار الدين مصالح، صار تجارة، وصار خصومات، وصار أحزاباً، وصار مللاً، وصار نحلاً، وصار حروباً، وصار سفك دماء، هذا موضوع آخر لا يمت إلى الدين بصلة، لماذا؟ الدين حينما يستخدم للدنيا، ترون الذي جرى، حينما يستخدم الدين للدنيا، حينما يصبح تجارة، حينما يصبح ذريعة، حينما يصبح أداةً، هذا الذي ترونه الآن حينما استخدم فهم الدين، واستخدم التعامل معه.
إذاً علاقة بين طرفين؛ الطرف الأول هو خالق السموات والأرض، والطرف الثاني هو أنت، أما أنت فعلاقتك بالدين هي الخضوع والانقياد، وأما الخالق فعلاقتك به هو أن يأمرك في كل شؤون حياتك.
على الإنسان أن يتبع الدين لأن الدين هو تعليمات الصانع والصانع هو الخبير :
أخوتنا الكرام، أريد -وقد قلت هذا والله مئات المرات- أن أنزع من أذهان الأخوة الكرام أن الدين صلاة فقط، صوم، حج، وزكاة، الدين أقسم لكم بالله ولا أبالغ يقترب من خمسمئة ألف بند، في شؤونك، في مالك، في شؤون إنفاق مالك، في شؤون زواجك، في شؤون إنجابك للأولاد، في تربية الأولاد، في علاقتك بمن حولك من المؤمنين، من غير المؤمنين، علاقتك بأقاربك، لو أردت أن تعدد البنود التي لا تنتهي ومتعلقة بالدين وجدتها بالآلاف، منهج تفصيلي، ولا يُعدّ بعيداً عن أذهانكم أنك حينما تقتني آلةً غالية الثمن، بالغة النفع، معقدة التركيب، بفطرتك، بحسك الأولي، دون أن تشعر تعتني بنشرة هذه الآلة، لأنها من عند الصانع، والصانع هو الجهة الوحيدة التي ينبغي أن تتبع تعليماتها، لأنها الجهة الخبيرة، قال تعالى:
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
[ سورة فاطر: 14 ]
فأنت - وأقول هذه الكلمة وقد تبدو غريبة- انطلاقاً من أنانيتك، من حبك لذاتك، من حبك لسلامتك، من حبك لكمال وجودك، من حبك لاستمرار وجودك، ينبغي أن تتبع الدين، لأن الدين تعليمات الصانع، والصانع هو الخبير:
﴿ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴾
[ سورة فاطر: 14 ]
أيّ إنسان على وجه الأرض حريص على حبّ وجوده و سلامة وجوده وكمال وجوده :
مبدئياً قبل أن تحب الله، انطلاقاً من حبك لنفسك، انطلاقاً من حبك لذاتك، ينبغي أن تكون متديناً في عصر الدين تهمة، في عصر الدين وسام شرف، هذه التبدلات في موقف المجتمع من الدين لا تقدم ولا تؤخر، التبدلات الصارخة والحادة والمتناقضة في موقف المجتمع من الدين ينبغي ألا تؤثر في سعيك الحثيث للتمسك بهذا الدين، ابن عمر، دينك، دينك، إنه لحمك ودمك.
اقسم لكم بالله - واحفظوا عني هذه الكلمة- ما من مشكلة على وجه الأرض في القارات الخمس من آدم إلى يوم القيامة، إلا بسبب خروج عن منهج الله، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، أزمة أهل النار في النار ما هي؟
﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير ﴾
[ سورة الملك: 10 ]
لماذا؟ لأن أي إنسان على وجه الأرض حريص حرصاً لا حدود له على حب وجوده، وعلى حبّ سلامة وجوده، وعلى حبّ كمال وجوده، وعلى حبّ استمرار وجوده، هناك على وجه الأرض الآن سبعة مليارات، سبعة مليار إنسان ما منهم واحد إلا وهو حريص على سلامة وجوده، من منا يحب المرض؟ من منا يحب الفقر؟ من منا يحب القهر؟ أن تكون في السجن، من منا يحب مشكلة تحيط به؟ نحن جميعاً من دون استثناء حريصون حرصاً لا حدود له على سلامة وجودنا، وعلى كمال وجودنا، تتمنى أن يكون لك زوجة، وأولاد، وبيت، ومركبة، وعلى حبّ كمال وجودنا، وعلى حبّ استمرار وجودنا، لا يوجد واحد من الحاضرين وأنا معكم إلا ويتمنى العمر المديد في الصحة التامة، أليس كذلك؟ تحب وجودك، سلامة وجودك، كمال وجودك، استمرار وجودك، ما قولك إذا أقسمت لك بالأيمان المغلظة أن هذه الأهداف الأربعة وجودك وسلامة وجودك وكمال وجودك واستمرار وجودك تتحقق جميعاً بطاعتك لله؟
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
[ سورة الأحزاب: 71 ]
من أطاع الله و رسوله فقد حقق الهدف من وجوده :
الآن عند الناس الفوز أن تشتري أرضاً، وبعد حين تضاعفت مئة ضعف، يقول لك: صار سعرها فوق الريح، الفوز أن ترتقي منصباً رفيعاً، الفوز هناك مقاييس دنيوية، الله عز وجل يقول لك:
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
[ سورة الأحزاب: 71 ]
أنك إذا أطعت الله ورسوله حققت الهدف من وجودك، الله خلقك لجنة عرضها السموات والأرض، و
﴿ قَدْ أَفْلَحَ ﴾
الشيء اللطيف أن كلمة أفلح لم ترد في القرآن الكريم إلا في أربعة مواضع:
﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾
[ سورة المؤمنون ]
الفلاح غير النجاح، قد تنجح بالتجارة فتحقق أرباحاً طائلة، وتشتري بيتاً فخماً، ومركبة فارهة، وتقتني أجمل المقتنيات، نجحت في التجارة، وهناك نجاح بإنجاب الأولاد، عندك أولاد متفوقون، وهناك نجاح باختيار الزوجة، و نجاح بالصحة، هناك نجاحات متعددة، لكن هذه النجاحات في الدنيا فقط، إنسان بلغني عن إنسان أنه لا يتناول أي طعام مساءً إلا فواكه، أي هو حريص على صحته حرصاً يفوق حدّ الخيال، ما ركب طائرة بكل حياته خوفاً من سقوطها، بعد ذلك مات:
كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والـــجبروت
***
والليل مهما طــــال فلا بد من طلوع الفـــجر
والعمر مهما طــــال فلابد من نزل الـــــقبر
* * *
وكل ابن أنثى وإن طالت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
فــإذا حملت إلى القبور جنازة فــاعلم أنك بعدها محمول
* * *
بطولة الإنسان أن يعيش المستقبل وأخطر حدث في المستقبل هو مغادرة الدنيا :
أيها الأخوة الكرام، هل يستطيع إنسان من الأخوة الحاضرين – و أنا معكم - أن ننكر حدث الموت؟ أن تقول: أنا لا أموت، لا يوجد إنسان عاقل يقول هذه الكلمة، معنى هذا أن هناك موتاً، معنى الموت أي انتقال من بيت مؤلف من ثلاث غرف، مثلاً، زوجة، أولاد، أصهار، بنات، مجتمع، سهرة، ندوة، نزهة، إلى القبر، أقسم لكم بالله ما من موعظة تفوق أن تشيع إنساناً، يرفع غطاء النعش، يحمل هذا الميت، يوضع في القبر، توضع البلاطة، يهال التراب على هذه البلاطة، وهذه الصفحة تطوى وانتهى الأمر، ماذا في القبر؟ ماذا بعد الموت؟ والله لا يوجد بالمليون إنسان يفكر بما بعد الموت، الناس يعيشون لحظتهم فقط، الآن الناس إذا أخطؤوا يخطئ معهم، أصابوا يصيب معهم، تمتعوا بشيء محرم يفعل هذا، هكذا الناس كلهم، لكن ما فكر ولا لحظة أن الله سيحاسبه حساباً دقيقاً، لذلك أقول لكم بكلمة مختصرة: كل بطولتك أن تعيش المستقبل، وأخطر حدث في المستقبل هو مغادرة الدنيا، فماذا أعددت لمغادرة الدنيا؟ الإنسان حينما يأتيه ملك الموت، إذا كان مستعداً لهذا اليوم، يقول سيدنا علي رضي الله عنه: "أعد للموت حسباً، أعدّ له استقامةً، أعدّ له عملاً صالحاً، أعدّ له خدمة" فأنت ينبغي أن تفكر في المستقبل، وأخطر حدث في المستقبل في مغادرة الدنيا.
الآية التالية آية متعلقة بالدين :
أيها الأخوة الكرام، الآن من الآيات المتعلقة بالدين:
﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ﴾
[ سورة البينة: 5 ]
أنت مأمور من قبل خالق الأكوان أن تعبد الله مخلصاً، العبادة هي الطاعة، عندنا عبادات شعائرية؛ كالصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، وعندنا عبادات تعاملية؛ كالصدق والأمانة، المشكلة الأولى الآن أن بعض الناس يتوهمون أن العبادة هي الشعائرية فقط؛ يصلي، يصوم، يحج، يزكي، وانتهى الأمر، أما كسب ماله فيه شبهات، إنفاق ماله فيه شبهات، سهراته حفلاته فيها شبهات، فأنت ما لم تفهم الدين منهجاً كاملاً، منهجاً شاملاً، منهجاً تفصيلياً، فالفهم للدين غير صحيح.
تعريف الدّين :
أيها الأخوة الكرام، الحقيقة من تعريفات الدين أنه مجموعة واجبات لهذا المخلوق نحو الخالق، واجبات الإنسان نحو الله، واجبات الإنسان نحو الجماعة، واجباته نحو أهله، واجباته نحو نفسه، لذلك حضور درس العلم أو حضور الخطبة الحد الأدنى، لا بد منه من أجل أن تعرف من أنت، أنت المخلوق الأول:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
[ سورة الذاريات: 56 ]
ما العبادة؟ طاعة لله، طاعةٌ طوعية ممزوجةٌ بمحبةٍ قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادةٍ أبدية، لذلك قال تعالى:
﴿ شَرَعَ لَكُمْ مِنْ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ﴾
[ سورة الشورى: 13 ]
أنا أتمنى ألا يكون الدين عادة من عاداتك، نحن نصلي الجمعة في الجامع الفلاني فقط، في أيام الأسبوع الباقية ماذا تفعل؟ هل أنت مطبق لأحكام هذا الدين؟ بيتك إسلامي؟ عملك إسلامي؟ عملك فيه شبهة؟ فيه شيء محرم؟ الآن التعامل مع عملك فيه طريقة محرمة؟ فيه قرض ربوي؟ فيه دين ربوي؟ بالدَّين ترفع السعر؟ يا ترى هل أنت تمشي على منهج أم تتحرك وفق من حولك؟ هذا خطأ كبير.
اجتماع رسالات الأنبياء في التوحيد :
الآن هل يمكن أن تلخص رسالات السماء كلها في آية واحدة؟
﴿ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ﴾
[ سورة الأنبياء: 25 ]
رسالات الأنبياء جميعاً مجتمعة هي التوحيد؛ لا إله إلا الله، لا معطي إلا الله، لا مانع إلا الله، لا رازق إلا الله، لا رافع إلا الله، لا خافض إلا الله، لا شافي إلا الله، أنت حينما ترى أن كل شأنك متعلق بالله تدع الخلق وتتجه إلى الخالق، الناس يتجهون إلى بعضهم بعضاً، لكنك إذا عرفت الله تدع الخلق وتتجه إلى الحق.
الدين خضوع لله عز وجل :
الله عز وجل قال:
﴿ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ﴾
[ سورة آل عمران: 19 ]
الآية لها معان كثيرة لكن من أدق معانيها أن حقيقة الدين الخضوع إلى الله، هل أنت خاضع للعادات والتقاليد؟ أي بالعادات والتقاليد ينبغي أن يجلس طالب الزواج مع زوجته أمام ملأ من النساء الكاسيات العاريات، وإلا الزوج عنده مشكلة كبيرة، هذه من العادات والتقاليد، هل أنت خاضع لمنهج الله أم للعادات والتقاليد؟ هل أنت خاضع لمبادئك أم لمصالحك؟ هل أنت خاضع لمنهج السماء أم لقوانين الأرض؟ الدين خضوع، والآية الثانية:
﴿ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ﴾
[ سورة آل عمران: 85 ]
بمعنى غير الخضوع لله عز وجل، الإسلام بالمعنى الواسع.
أيها الأخوة الكرام، أحياناً الإنسان بحاجة إلى تفاصيل، عنده حاجة ماسة للتفاصيل، ومن حين إلى آخر بحاجة إلى الكليات، إنسان يعيش في جهة عشر سنوات، الكليات بعيدة عنه، غارق بالجزئيات، وهناك مرض خطير اسمه الغرق في الجزئيات، فأنت من حين لآخر بحاجة إلى كليات ما هي حقيقة الدين؟
أيها الأخوة الكرام، أرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لفهم الدين على حقيقته، وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لفهم ما يجري في ضوء تعاليم الدين.
* * *
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن سيدنا محمداً عبده ورسوله، صاحب الخلق العظيم، اللهم صلِّ وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
التفكر في خلق السماوات والأرض يرجع الإنسان إلى حقيقتين :
أيها الأخوة الكرام، آية دقيقة يقول الله عز وجل:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
[ سورة الطلاق: 12]
كأن الله عز وجل يريد من جولتك التأملية في خلق السموات والأرض، من جولتك التأملية، من التفكر في خلق السماوات والأرض، أن ترجع بحقيقتين، الأولى: أن الله على كل شيء قدير، والثانية: بأن الله قد أحاط بكل شيء علماً، هذا الموضوع طرحته مئات المرات، لكن هنا من المناسب أن أطرحه مرة ثانية، أنت مواطن تركب مركبة، الإشارة حمراء والشرطي واقف، و هناك شرطي على دراجة نارية، وهناك ضابط مرور في السيارة، وأنت مواطن عادي، هل يعقل أن تتجاوز الإشارة الحمراء؟ أعتقد مستحيل، إلا بحالتين الساعة الثالثة ليلاً، لا يوجد شرطة، أو أن تكون أقوى من واضع القانون، أما كمواطن عادي والساعة الثالثة ظهراً، والشرطي واقف، و هناك شرطي على دراجة نارية، وهناك ضابط مرور في السيارة، فلا تتجاوز، لماذا؟ لأنك توقن يقيناً قطعياً أن علم واضع قانون السير يطولك من خلال هذا الشرطي، وأن قدرته تطولك، أنت حينما تعلم أن جهة ما يطولك علمها، وتطولك قدرتها، لا يمكن أن تعصيها، ليس مع خالق السماوات والأرض مع شرطي عادي، مع موظف بسيط، هل تعلم أن حياة الإنسان قد تنتهي بثانية واحدة يقول: سكتة قلبية ، خثرة بالدماغ، ثانية، نحن في قبضة الله، والمصير إليه، ولا نملك مع الله حولاً ولا قوة، فكيف تعصيه؟ كيف تعصيه وأنت في قبضته؟
زوال الكون أهون على الله من أن يعامل المحسن كالمسيء :
أيها الأخوة الكرام، بالتفكر، بالتأمل، بالعودة إلى الفطرة، بالمدارسة، مستحيل وألف ألف ألف مستحيل أن تعصي الله، لأنك في قبضته، ولأن مصيرك إليه، لكنك إذا أطعته أنت والله في جنة، جنة في الدنيا وجنة في الآخرة:
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
[ سورة الرحمن: 46]
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾
[ سورة الجاثية: 21 ]
أي من سابع المستحيلات، أي زوال الكون أهون على الله من أن يعامل المحسن كالمسيء:
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
[ سورة السجدة: 18 ]
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
[ سورة القلم: 35-36 ]
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
[ سورة القصص: 61]
هذه حقائق صارخة، هذه الآيات ينبغي أن تكون واضحة أمامك، كل يوم ضعها على جدار بيتك في لوحة:
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ ﴾
الذي كسبه حرام أتصدق أن يعامل كمن له كسب حلال؟ الذي ضبط بيته وفق المنهج الإيماني كالذي أطلق لأهله العنان، ممكن؟ أيستوي عندك المحسن والمسيء؟ المؤمن وغير المؤمن، المستقيم والمنحرف، مستحيل.
الفرق الكبير بين الإنسان الملتزم المطبق لمنهج الله وبين الإنسان الشارد :
لذلك:
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
[ سورة القصص: 61]
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
[ سورة القلم: 35-36 ]
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
[ سورة السجدة: 18 ]
هناك معاملة خاصة للمؤمن، لك من الله الحفظ، لك من الله الطمأنينة، لك من الله الأمن، لك من الله التوفيق، لك من الله النجاح، لك من الله السلامة، لك من الله السعادة في كل شؤون حياتك، لذلك فرق كبير جداً بين إنسان ملتزم مطبق وبين إنسان شارد.
الدعاء :
اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت، وتولنا فيمن توليت، وبارك لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت، فإنك تقضي بالحق ولا يقضى عليك، وإنه لا يذل من واليت، ولا يعز من عاديت، تباركت ربنا وتعاليت، ولك الحمد على ما قضيت، نستغفرك و نتوب إليك، اللهم هب لنا عملاً صالحاً يقربنا إليك، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصلِّ اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم.
والحمد لله رب العالمين