كعادتي بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع ، أعود إلى المنزل ثم ابدأ متابعة الأحداث ، عبر الفضائيات المتخصصة في ذلك ، وحين فتحت التلفاز على إحدى القنوات ، وجدت الخبر مباشر من سوريا ، وإذا بشعار جمعتهم ، النصر لشامنا ويمننا ، فخفق والله قلبي لما رأيت هذا الشعار ، وبعدها بقليل جاءت الأخبار عن اليمن ، فإذا بالشعار نفسه أيضا هناك في اليمن فاقشعر جلدي وخفق قلبي ، لما يحمله هذا الشعار من معان ومفردات وتأريخ وذكريات.....
تأثرت كثيرا ولست ادري لماذا وبهذا الحجم من التأثر..؟!
غير أني استشعرت أن الهم واحد ، والهدف واحد ، والمعاناة واحدة ، والشعور واحد.....
وغمرتني الفرحة والغبطة لما رأيت أن الشعبين رغم بعد المسافات ..إلا إنه قد اجتمعت قلوبهم ، وتوحدت أفكارهم ، واتفقوا على صياغة شعار واحد : النصر لشامنا ويمننا.
وإذا بالجموع في اليمن تهتف : من عدن إلى صنعا ، كلنا نفدي درعا
فتجيبها الجماهير الثائرة في درعا : بالروح بالدم نفديك يا يمن
وترتفع رايات اليمن وسوريا ، في اليمن وسوريا ، ويحمل الثوار في البلدين شعارات قد خط فيها أبيات العزة والكرامة:
إنا توحدنا هوى ومصائر وتلاقت الأحباب بالأحباب
أترى ديار العرب كيف تظافرت فكأنما صنعا في دمشق روابي
ويناجي اليمن الشام بشوق يخالطه الألم ، وحنين يمازجه الأسى :
يا شام هل يحجز الأشواق قضبان ؟ أم يحجب الطيف أسوار وجدران
قد استوينا فكل رهن محبسه للظلم من حوله سوط وسجان
لا عتب أن فرقتنا للنوى سـبل فالدهر ذو دولة والوصل ميــان
وهكذا تنضب الأرواح نازفـــة بكل جرح مرارات وأشطــان
لم يبق إلا صــبابات نجاذبـــهـا لا ترتوي فالجوى باليأس حران
نباكر الغم في الإصباح متـقـدا وفي العشية آهات واشــجــان
تطير أرواحنا شوقا ولو قدرت طارت إليكم مع الأرواح أبــدان
نسلو الحياة ولا نسلوا تذكركم وهل تداوى بغير الذكر ولــهـان
وحسبكم أنكم في القلب مسكنكم حيث الأسى راتع واليأس حيران
أواصر الحب كل الحب يجمعنا رغم القيود أما قد قال حــســان
(إما سألت فإنا معشــــــر نجب الأزد نسبتنا والماء غســــــــــان)
الله أكبر هذا الظلم فرقـــــنـــا وللمقادير إيلاف وإظعــــــــــان
هذه الشعارات والمشاعر ، جالت لأجلها الخواطر ، وطافت بسببها الذكريات والأشجان ، فلو غصت في أعماق التأريخ ، ورحت تحلق في سماء الذكريات ، لرأيت الزمان يعود بك إلى تأريخ مشترك وأحداث لا تكاد تنفصل رابطتها ولا تنفصم عراها بين الشام واليمن ، يمر بخاطرك طيف سليمان وبلقيس ، ورحلة الشتاء والصيف ، وارض الجنتين ومسرى الرسول الأمين صلى الله عليه وسلم وأرض كنعان ، وعرش بلقيس وهيكل سليمان ، وملك سبأ وتسخير الجن والريح لسليمان.
كم التقى الشام واليمن في التأريخ ؟ كم جمعت لهما من المكرمات ...كم نطق الـتأريخ باسميهما عبر الزمان ، كم تغنت لهما الحناجر ...!!
فهما مهد ا الحضارات ، وموطنا المكرمات ودارا الكرامات ، وبركتا الدنيا ، وجنتا الأرض ، وموئلا الديانات والنبوات.....
من الشام إلى اليمن سار هدهد سليمان عليه السلام وعاد بخبر يقين وقال بلغة الواثق من علمه : ( أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين ...)النمل
ومن اليمن إلى الشام سارت سيدة اليمن الأولى الملكة المباركة بلقيس لتسلم مع سليمان ( لله رب العالمين)
ومن اليمن إلى الشام سار قوم سبأ في أمن ورغد عيش وقرى ظاهرة لا يعانون من وعثاء السفر ولا كآبة المنظر ولايخافون في ليل ولا نهار {وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ} [سبأ : 18]
وإلى الشام واليمن سارت قوافل قريش التجارية في رحلتين امتن الله بهما على أهل مكة {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ } [قريش ]
وللشام واليمن دعا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم بالبركة اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا قالوا وفي نجدنا قال اللهم بارك لنا في شامنا اللهم بارك لنا في يمننا....) رواه البخاري
واستدبر الحبيب صلى الله عليه وسلم اليمن واستقبل الشام ثم قال :إن الله استقبل بي الشام وولى ظهري اليمن وقال لي : يا محمد ، إني جعلت لك ما تجاهك غنيمة ورزقا ، وما خلفك مددا ) صحيح الجامع
ومن اليمن الى الشام سارت جحافل الفاتحين ، وقدموا قوافل الشهداء في بصرى وإجنادين وبعلبك وحمص ، ودمشق واليرموك ، والقدس وبيسان....وارتوت ارض الشام بدماء أهل اليمن في حروب التتر والصليبيين ، وفي حطين وعين جالوت...
ولا تنفصل الرابطة بين الشام واليمن إلى قيام الساعة ، فلا تقوم الساعة حتى تخرج نار من اليمن تسوق الناس الى ارض المحشر والتي هي بلاد الشام.
وأخرج احمد والترمذي عن ابن عمرو(ستخرج نار من حضرموت – أو بحضرموت – قبل يوم القيامة تحشر الناس ، قالوا يا رسول الله فما تأمرنا ؟ قال عليكم بالشام )
الحمد لله حبل الله يجمعنا فلا تفرقنا قيس وقحطان
من قصيدة طويلة للدكتور سفر الحوالي[/b]