البروفيسور الأمريكي عاشق بلآد النوبة

البروفيسور الأمريكي عاشق بلاد النوبة:مصر أم الدنيا والسودان «حبوبتها»[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
تقرير: أحمد حسن محمد صالح ( صحيفة الرأي العام )
«الى النوبيين الذين استقلوا القطار في العام 1964م تاركين موطنهم التاريخي عندما كانت مياه السد العالي تغمر بيوتهم.. الى خشم القربة.. التي لم يشاهدوها ابداً من قبل».
كان هذا الاهداء الذي ورد في مقدمة كتاب «الفردوس المفقود: بلاد النوبة قبل هجرة 1964م»، وهو تأليف البروفيسور هيرمان بيل وتكرمت مجموعة (دال) بنشره.
البروفيسور بيل يحمل دكتوراة في «اللسانيات وعلم الاسماء الجغرافية: اللغة النوبية»، من جامعة نورث ويسترن الامريكية وماجستير آداب اللغة المصرية القديمة والقبطية من جامعة اكسفورد ومن معهد الدراسات العربية والاسلامية -اللغة والثقافة النوبية بجامعة اكستر.
? ما الذي آثار اهتمام البروفيسور الامريكي بتاريخ وحياة النوبيين؟
يقول بيل المولود في ولاية فرجينيا الامريكية عام 1933م ان اهتمامه بدأ بنهر النيل وتاريخه عندما كان طفلاً وكان يستمع باهتمام لقصص خالته التي كانت تحكي الكثير عن الفراعنة والاهرامات وتاريخ نهر النيل.
وبمرور الزمن وبعد ان تخرج في الجامعة وتعمق في علوم التاريخ واللغات وتجول في بلاد النوبة. بدأ البروفيسور يدرك انه «اذا كانت مصر ام الدنيا فان السودان حبوبة الدنيا»، هكذا قال بالعربية في لقاء صحافي في فندق برج الفاتح يوم السبت الماضي.
بعد تخرجه في جامعة اكسفورد سافر بيل الى برلين (في المانيا الشرقية) آنذاك، وبدأ يتعلم اللغة الهيروغلوفية وخلال عمله مع البروفيسور هيرمان مرابو في تحرير قاموس الهيروغلوفية اجاد تلك اللغة القديمة.
من محاسن الصدف ان بيل تلقى في عام 1962م منحتين من الكلية الجامعية باكسفورد ومعهد العلوم القومية الامريكية لاجراء مسح للاماكن والاسماء النوبية في بلاد النوبة. وكان البروفيسور في رفقة زوجته خريجة جامعة اكسفورد (حيث كانا قد التقيا قبل الزواج)، عندما توليا مهمة المسح الذي غطى نحو «500» كيلومتر ابتداءً من اسوان في مصر حتى دال في الشلال الثالث.
كانت بداية الرحلة على الجانب السوداني من بلاد النوبة في سرة شرق موطن ابينا الكبير السفير جمال محمد أحمد، وهناك التقى بيل وزوجته بعمدة سرة الشيخ حسن عثمان واستمتعا بمشاهدة الآثار النوبية التي كانت تشمل قصراً وثلاث كنائس.
ومن سرة شرق بدأ الزوجان رحلتهما الماراثونية، الى قرى وبلدان المنطقة الاخرى، وكان آن بيل يسافران بالمراكب واللواري وعلى ظهور الحمير عندما كانا يقومان بعملية المسح في الجانب المصري من بلاد النوبة. ولكن بيل قرر شراء عربة مطافيء «2.000» لتر تعود الى الحرب العالمية الثانية، عندما بدآ رحلتهما في الجانب السوداني من المنطقة، ويقول بيل «أصبحت عربة المطافيء العتيقة مسكنا لي ولآن طوال الرحلة».
وبعد نهاية مهمتهما الاصلية قرر بيل متابعة عملية هجرة السكان ابتداء من قرية سرة شرق التي أحب سكانها وأحبوه الى قريتهم الجديدة القرية «1» في أقصى الطرف الشرقي من مدينة حلفا الجديدة، على بعد نحو «1.600» كيلومتر من موطنهم الاصلي في ضواحي وادي حلفا. ويا لها من رحلة اختطلت فيها الحيرة والحزن والدموع على مصير نحو «50» الف اسرة في بلاد لم يشاهدوها ابداً في حياتهم.
وهناك التقى الزوجان مرة ثانية بأسرة الشيخ حسن عثمان، عمدة سُرة شرق في مدينتهم الجديدة، ابنه اسماعيل وأمه شريفة وزوجته سميرة.
وبعد اكتمال مهمة المسح عاد بيل وزوجته آن الى جامعة نورث ويسترن وهناك ساعده صديق سوداني هو (البروفيسور - جلال عبدالله علي)، في التحضير لدرجة الدكتوراة في نطق الكلمات النوبية، وفي نفس الجامعة الامريكية صادف ان زارها البروفيسور يوسف فضل حسن الذي دعاه لزيارة السودان والانضمام الى هيئة التدريس في جامعة الخرطوم. فوافق البروفيسور بيل على الالتحاق بشعبة ابحاث السودان التي اصبحت لاحقا معهد الدراسات الافريقية والآسيوية حيث عمل حتى العام 1979م رئيساً لقسم اللغات السودانية والافريقية.
ويحكي البروفيسور خلال تلك الفترة عن رحلة قام بها الى كردفان برفقة المرحوم الطيب محمد الطيب الذي كان حينها واحداً من أبرز الباحثين في المعهد، متخصصاً في التراث القومي. وقال بيل معلقاً على معرفة الطيب الواسعة: «الطيب بيعرف كل شي عن التراث السوداني».
البروفيسور بيل أسهم في العديد من الدراسات وشارك البروفيسور سيد حامد حريز في تحرير «لغويات وفولكلور السودان»، الذي نشر في العام 1975م في المعهد وصدر عن مطبعة جامعة الخرطوم.
في اواخر السبعينيات بلغ التضخم حداً غير مسبوق واصبحت تكاليف المعيشة مرتفعة جداً، والبروفيسور بيل الاب لبنت وولد، كان يتقاضى مرتباً شهرياً لا يتجاوز الـ «600» جنيه، ولذلك فكر في الهجرة الى السعودية بالذات وفي عام 1979م لبى دعوة جامعة الملك فيصل فالتحق بهيئة التدريس فيها. وفي العام 1993م ترك السعودية الى أكسفورد حيث عمل في أكاديمية أكسفورد للدراسات المتقدمة.
كتاب «الفردوس المفقود» مجلد ضخم يقع في (284) صفحة بالحجم الكبير وغلاف قوي، ويحتوي على أكثر من (200) صورة فوتوغرافية تعكس حياة الحلفاويين وقبل الهجرة، صور رجال ونساء واطفال ونشاطاتهم اليومية، في مساكنهم وفي مزارعهم وعلى ضفاف النيل، وطقوس الحلفاويين في المناسبات.
الكتاب جدير بالاقتناء، وخاصة لابناء الاجيال الجديدة الذين لم يشاهدوا وادي حلفا في عهدها الزاهر.
أمسية الخميس الماضي كانت ليلة ستبقى في ذاكرة ووجدان النوبيين عندما احتفلت مجموعة «اسامة داؤود عبداللطيف وشقيقه الاصغر ايهاب»، بتدشين «الفردوس المفقود»، في مسرح صرحها التعليمي الراقي في مدرسة مجتمع الخرطوم العالمية، في جنوب شرق الخرطوم.
أمسية ترفيهية كان روادها نخبة من الحلفاويين وضيوفهم كان بينهم محافظ بنك السودان د.صابر محمد الحسن ووزير الدفاع اللواء عبدالرحيم محمد حسين ومستشار رئيس الجمهورية بونا ملوال وغيرهم من الشخصيات الثقافية والسياسية.
خاطب البروفيسور بيل الحضور في حفل تكريمه وتدشين كتابه وهو «قاشر» بـ (جلابية وطاقية) خاطب الجمع باللغة العربية تخللتها قفشات بالرطانة.باللغة النوبية التي عشقها منذ ان وطأت قدماه برفقة زوجته آن بلاد النوبة قبل أكثر من أربعة عقود من الزمان.

شكرا لك يعطيك العافية

شكرا لكم يعطيكم العافية

مشكور على الموضوع