ترى ماذا يمكن ان تشاهد و تسمع اذا حاولت يوما ما مراقبة ماكبنة صراف و راقبت افعال و ردود افعال المترددين عليها من جميع شرائح المجتمع ، دعونا نتعرف على هذه التجربه من خلال هذا المقال و ما سجله كاتبه من مشاهدات و ملاحظات
هذا رجل دفع فاتورة الجوال المفصول رغم شكوكه الكبيرة بصحة الرقم الذي جاء في الفاتورة، لا توجد وسيلة لإثبات حقه فما دام الكمبيوتر قد حدد المبلغ المستحق فليس أمامه سوى الدفع، الكمبيوتر ينحاز دائما لمن يشغله أما هو فقد اقتنع منذ زمن بعيد أن دوره في هذه الحياة هو زيادة أرباح الشركات الكبرى!، شعر أنه أخذ أكثر من وقته بعد أن لاحظ وجود سيدة تنتظر دورها تحت الشمس، غادر المكان وهو يتأمل جواله بحثا عن عودة الإرسال، صحيح أنه فقد رصيده من المال ولكنه أصبح يملك رصيدا جديدا يمكنه من الثرثرة من هنا حتى نهاية الشهر القادم!.
دخلت الغرفة الزجاجية لتسحب من جهاز الصراف ثمانمائة ريال (ريال ينطح ريال) هي مخصص الضمان الاجتماعي لوالدتها، كم أنهكها تناطح الريالات في حياتها اليومية ، طرقت والدتها عشرات الأبواب وأحضرت مئات الأوراق كي يكون لأسرتها علاقة خاطفة بجهاز الصراف، مرت سنوات وهذه الفتاة تحلم بتعويض والدتها عن أيام الحرمان ولكن الوظيفة المنتظرة لم تجيء، في بعض الأحيان يخطر لها أن تتحول إلى زوجة مسيار برفقة كبش ينطح واقعها نطحا حتى تزحزح الصخرة التي تعترض طريقها أو يتحطم قرن كبشها!.
ما إن خرجت الفتاة حتى دخل رجل طويل عريض يرتدي نظارات سوداء أنيقة، أدخل بطاقة زوجته التي يحفظ رقمها السري أكثر مما يحفظ أسمها ، منذ أن تزوجها وهو يستحوذ على هذه البطاقة السحرية، يسخر في كل يوم من عدم قدرتها على التوفيق بين التزاماتها العملية وواجبات البيت ثم يذهب آخر الشهر كي يستولي على راتبها ، أشتهر بين أصدقائه بأنه معاد لقضايا المرأة، يرى أن تمسكه بهذه الآراء الصلبة من سمات الرجولة!.
دخل بعده إلى الغرفة الزجاجية رجل يصطحب أولاده الصغار، تركهم يتسلون بلعبة الباب الإلكتروني وانشغل في استكشاف ما تبقى من راتبه التقاعدي، منذ أن تقاعد وهو معتاد على قراءة هذه العبارة: (الرصيد المتوفر لا يسمح بإتمام العملية) لذلك كان يحرص على معرفة رصيده قبل أن يبدأ بعملية السحب، كبر الأولاد وكبرت معهم احتياجات الحياة أما هو فقد تضاءل وانكمش وأصبح يعيش على هامش المجتمع، شعر بتذمر الشاب الذي ينتظر دوره في جهاز الصراف فطلب من أولاده إخلاء المكان بسرعة.
لم يعتد هذا الشاب أن يسحب من ماكينة صراف داخل الوطن، كان يسحب من مكائن في شوارع باريس وبالقرب من فنادق جنيف ويشعر دائما بأن بطاقة الصراف هي هويته!، تورط في خطوات الجهاز المكتوبة بالعربية فاختار أن يقوم بالخطوات المكتوبة باللغة الإنجليزية فكانت هي الأخرى مختلفة عن مثيلاتها في أوروبا، أخطأ في إحدى الخطوات التي تسبق عملية السحب فابتلع الجهاز بطاقته، شعر أنه فقد هويته فصرخ بأعلى صوته: (والله فوضى.. مافيه نظام؟.. وش جابني هنا ؟!).
من المؤكد ان هذه الاله رغم حداثتها الا انها تحولت لمصدر هام للحكايات و ارض خصبه للباحثين الاجتماعيين و ذلك لكثرة المترددين عليها ببطاقاتهم و همومهم و الامهم و اصبحت احد العلامات المؤثره و المعالم الهامه فى حياة المواطنين و التى يلتقى عندها جميع شرائح المجتمع
تقبلوا منى اجمل تحيه و كل التقدير
***