من تاريخ العراق المعاصر :
الفارس النبيل والملك القتيل
"الملك غازي "
ولد بمكة المكرمة عام 1912 ، وهو النجل الوحيد للملك فيصل وقد ترعرع في كنف جده الملك حسين بتدن علي ، وسمي غازياً تيمناً بغزوة أبيه لتأديب الادريسي الثائر على الدولة العثمانية . تتلمذ على يد إمام الملك حسين الخاص " ياسين البسيوني " ودرس اللغة العربية والعلوم الدينية على يد " حسن العلوي " إنتقل مع عمه الأمير عبدالله – امير الأردن الى عمّان ، ثم تقررت دعوته الى العراق في سنة 1924 وكانت تتولى تربيته " المسز فيلي " وتعلمه اللغة الانكليزية. وفي عام 1926 سافر الى لندن ودخل كلية هارو ، وقضى فيها ما يقارب ثلاث سنوات ، ثم عاد الى العراق ، ودخل المدرسة الحربية ، وتخرج فيها برتبة ملازم ثان ، والحقه والده بهيئة المرافقين العسكريين في البلاط الملكي * ناب مناب والده ، في إدارة شؤون المملكة . في 5 حزيران 1933 عند سفره الى لندن ، فأبرز مقدرة فائقة في حركة تأديب التياريين ، وفي الأول من أيلول من السنة نفسها ، ناب مناب والده مرة ثانية في سفرته الى برن في سويسرا للعلاج فكان ان توفى الملك فيصل ليلة الجمعة / الثامن من أيلول ، فتوج ملكاً على العراق وفي الثامن عشر من الشهر نفسه اقترن بالأميرة عالية كريمة عمه" الملك علي " ورزق منها ولداً أسماه فيصلاً تيمناً بإسم والده . هذا مختصر حياة الملك غازي بن الملك فيصل بن الملك فيصل بن الملك الحسين بن علي . الهاشمي النسب كانت حياة هذا الملك مثار أحاديث المؤرخين والباحثين وذلك لدوره السياسي في المجالين الداخلي والخارجي 1933 – 1939 وكانت السنوات الست التي مارس فيها سلطاته ملكاً للعراق تمثل مرحلة صاخبة وقلقة تنذر بقيام حرب عالمية . كما إنها تمثل مرحلة عصيبة لبريطانيا العدو اللدود لألمانيا ، لتأمين مصالحها في العراق بخاصة وفي منطقة الشرق الأوسط بعامة . ولم تكن بريطانيا تنظر الى الملك غازي بعين الرضا ، كما يظهر ذلك في مصادرها عنه . فقد وصفته بانه ذو قابليات محدودة ولم يحرز تقدماً ملحوظاً في دراسته بكلية هارو ، وأنه لم يعد في صغره ، إعداد بالمستوى المطلوب ، وإنه كان ضعيفاً في العلوم وانه قليل الخبرة فيما ينتظره من مسؤوليات كبيرة وبخلاف ذلك ، كانت معلومات معاصرية تشير إلى انه كان فارساً من فرسان العروبة في العراق ، كما وصفه العقيد الفقيد صلاح الدين الصباغ الذي إلتقى بالأمير غازي سنة 1928 في لندن ، وذكر انه عاد ودخل الكلية العسكرية واشترك في معرض الخيل وتسلم من ابيه الملك الجائزة الاولى في طفر الموانع وقال عن طياره الخاص العقيد حفظي عزيز انه يتمتع بهوايات منها الفروسية وقيادة السيارات . وذكر طه الهاشمي في مذكراته وكان قوياً يوم ناب عن والده وكانت البلاد آمنة واهلها امنين . ويذكر جي جي وارد ان الملك غازي نال تأييداً حماسياً محموماً منذ توليه العرش عام 1933 بوصفه شخصية ثورية معادية للأجانب . وهذا مفتاح السر في شخصية الملك غازي . وفي إضطراب مرحلة حكمه التي أدت الى مقتله الغامض غيلة أو قدراً والتي لم تدم سوى سنوات ست ؛ كانت الحكومة البريطانية خلالها تفتش عن البديل الوريث لعرش العراق . كان الغموض يغلف وفاة الملك فيصل الأول في سفرته الى لندن ، وعلاجه في سويسرا وقضائه نحبه وهولم يتجاوز الخمسين من عمره . ولا بد ان الملك الوريث تشرب حب والده ، وقد بكاه يوم تتويجه بكاءً مراً ، ولعله كان كغيره من ابناء شعبة المتشككين لهذه المفاجأة المفجعة . *** يذكر أحد الباحثين أن سياسة الملك غازي كانت تختلف عن سياسة والده وعن طبعه وعلاقاته وأسلوب حياته . فقد كان يجاهر الانكليز العداء ويفصح عن مشاعره ولاسيما في سنوات حكمه الاخيرة فقد أنشأ إذاعة خاصة في دار إستراحته ، يعبر من خلالها عن أفكاره في مسألتين : 1- العداء للإنكليز . 2- تأجيج المشاعر القومية والدعوة الى الوحدة المصيرية والى النهوض والتماسك . وفي ذلك ما فيه من تهديد للمصالح البريطانية في منطقة هي أكثر المناطق في العالم حساسية وسخونة في " لعبة الامم " القائمة آنذاك . لقد كان يوم اعلن نبأ الملك غازي في 4 نيسان1939 يوماً عصيباً في حياة العراقيين الذين أحبوه ، لشجاعته ومواقفه المبرئة من قضاياهم وكفاحهم من أجل الحرية والحياة الكريمة فيها أن سمعت الامة في مقتل فارسها الأمين حتى دوى هتافها المجلجل :
الله أكبر يا عرب
غازي انفكد من داره
واهتزت أركان السما
من ردمت السيارة
وقد نعاه شاعر العراق الجواهري بالقول :
خبروليس كسائر الاخبار
حصب البلاد بمارج من نار
فلوت به الصيد الأماجد هامها
حزنا لفقد زعيمها المختار
ان الحديث عن هذا الملك الشجاع حديث طويل ذو شجون وشجون يملأ نفوسنا زهواً وعنفواناً بتجديد ذكراه . وتخليده في أذهان الناس كر العصور ومر الدهور ، طيب الله مثواى هذا البطل الخالد . الذي دفع حياته ثمناً للصفعة التي وجهها الى السفير البريطاني الذي كتب الى حكومته ( ان الملك غازي يجب أن يسيطر عليه أو يخلع ) والذي قال بعد وقوع الحادث الأليم : ( أن من المفرح ان يعين ابن عمه عبد الاله وصيا على العرش ) ومن طرائف ما يذكر عن حب العراقيين لمليكهم القتيل ان الوصي عبد الاله في احدى نزهاته لصيد الدراج : وقف أمامه شيخ تحامل على نفسه من مرض أقعده طويلاً، فتوكأ على عصاه ووقف وسط الجموع الفلاحية . صدك أنته وصينا لو وصي " سختات " وحك ذاك العمود الردم " غازي " ومات !! فما كان من الوصي أمام هذا القسم المدوي إلا أن ينسحب غضبان أسفاً على هذا الأستقبال غير المتوقع . وقد كان مصرع " عبد الإله " نهاية عادلة لما خلفه مصرع المغفور له " الملك غازي " من أحزان في قلوب محبيه من أبناء شعبه الوفي .
المصادر: 1- تاريخ الوزارات العراقية .
2- فرسان العروبة . 3- مذكرات طه الهاشمي 4- المسؤولية التاريخية في مقتل الملك غازي . 5- ديوان الجواهري .